ورغم أنّ الجميع كان يستمع له بوضوح، ويحثه على التوقف؛ إلا أنني لم أعد أسمع إلا صداه الخارج من عمق ماضٍ قد عشته، ربما خفَّت وتيرة الصوت؛ لكن الصدى بقي على حاله مرجعاً بي إلى الوصية الأولى “لم تخلق لأي شيء يا ولدي، بل لأصعبها وأكثرها قسوة، هذا ليس خياراً تختاره أو تعترض عليه، بل واجب عليك أن تقبله بجميع مداركك، سوف ينتظرك الناس كل الناس بجميع أشكالهم وأنواعهم، سوف يتركوا مصالحهم وأعمالهم، وربما تتوقف حياتهم بكلمة منك، يجب عليك ألا تجعلهم ينتظروا طويلاً، اقرن قرارك بالحكمة أولاً، وإن شاهدت أفواههم تتلوى قوّمها بحكمك القاطع، ولا تسعى لرضاهم فرضا الناس غاية لا تدرك؛ بل انظر لرضا الله ولوكان على نفسك، اقتص يا ولدي للحق حتى وإن كان المذنب ذراعك، اقطعها ولا يرف لك جفن يا ولدي”.